Wednesday, February 26, 2014

تشكيل المجالس .. بين المجاملة والتحزب


    هذه التدوينة هي الثانية في سلسلة تدوينات عن مجالس الإدارة، سبقتها أختها مجالس الإدارة .. وإدارة المجالس عن منهجية إدارة المجالس، وهذه التدوينة عن منهجية تشكيل المجالس واختيار أعضائها، وأذكِّر بأن لفظة "مجالس الإدارة" هي اصطلاح غير مقصود بذاته، وإنما للتدليل على أي نوع من المجالس، سواءً أكانت باسم مجالس أو لجان أو هيئات أو غيرها.

  والأصل أن المجالس وضعت للحصول على قرار جماعي تبعاً لتنوع آراء وشخصيات الأعضاء، وفي مجتمع متنوع الثقافات والأعراق والتوجهات كمجتمعنا فإن أهمية مراعاة هذا التنوع في تشكيل المجالس تزداد تأكيداً، ولذلك فعلى من تقع عليه مسؤولية تشكيل المجلس أو ترشيح أعضائه الحرص على تمثيل المجلس لأغلب فئات المجتمع إن لم يكن كلهم، سواءً من الناحية الثقافية أو العرقية أو التوجهات أو حتى السمات الشخصية، ويتأكد الأمر عندما يكون المجلس مسؤولاً عن أمر عام في المجتمع، وليس مجلساً لشركة أو لعائلة.
|  المجالس وضعت للحصول على قرار جماعي  |
    فلا يحسن أن يشكل المجلس من عرقية واحدة في مجتمع متعدد الأعراق، وحتى لو ألجأ هذا الأمر إلى اختيار شخصية ليست بكفاءة مساوية لبقية أعضاء المجلس، لأن الخيار الآخر أن يكون المجلس من عرقية واحدة؛ مما يجعله في موضع تهمة هو في غنى عنها، وقد يُشعِرُ هذا العرقيةَ التي ليس لها من يمثلها في المجلس بنوع من الضيم، أو ربما يدفع الفئة غير الممثلة في المجلس إلى التشكيك في قرارات المجلس واللمز فيها؛ حتى لو بذل الأعضاء جهدهم في العدل واجتهدوا في البعد عن التحيز.

    وقل كذلك بالنسبة للتنوع الثقافي والفكري، فإنه نوع من التحزب والتكتل في المجتمعات من المهم مراعاته والانتباه له، وهو وإن كان يختلف من بيئة إلى أخرى، فالتنوع الثقافي والفكري في البيئة القبيلة منخفضة التعليم أقل تأثيراً من سلطان القبيلة والعرق، لكنه يبقى نوعاً من أنواع التحزبات والتكتلات البشرية المهم مراعاتها.


   وأما الفروق الفردية والسمات الشخصية فلها أهمية من نوع آخر، وهو ضرورة تمثيل كافة الشخصيات في المجلس، ليكون القرار متوازناً، توازناً عاطفياً ومنطقياً، متخذاً موقعاً متوسطاً بين التهور والجبن، وبين الشدة واللين، فكما يجب مراعاة التنوع الثقافي والعرقي والعمري، فيجب كذلك مراعاة الاختلافات الشخصية، فهناك ذوي القبعات السوداء الحذرين قبل اتخاذ أي قرار، الذين ينظرون للأمور من نظارة قاتمة تحذر من كل شيء، وتخشى أي موقف، وفي المقابل هناك الأشخاص المتهورون الذين لا يدققون  في اتخاذ القرارات.

   ولا يعنى هذا جرحاً في شخصياتهم أو طعناً في عقولهم، فإن  البراء أخو بن مالك أنس بن مالك -رضي الله عنهما- كان من جملة كبار صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الزهد، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك»، .ومع ذلك فقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  -رضي الله عنه- نهى عن تأميره  لجرأته؛ فإنه كان لشجاعته يقتحم المهالك ولا يبالي، وبقية المسلمين لا يطيقون ما يطيق.

   كما أن هناك الشخصية العاطفية التي تؤثر العواطف على قراراتها، بينما الشخص المنطقي لا يقيم وزناً للعاطفة عند اتخاذ القرارات وبخاصة إذا لم تتعلق به، مما يستلزم أن يضم المجلس كافة هذه الأنواع من الشخصيات المتنوعة، ليكون متوازناً في تناوله للموضوعات متزناً في اتخاذ القرارات.


|  ... والمبرر الوحيد الفريد "العنيد" هو المجاملة فقط !!! |
   والمشكلة الكبرى التي لم تستطع أي من المجتمعات -بأنواعها المختلفة- التخلص منها، هي المجاملة في اختيار الأعضاء، والمجاملة وإن اختلفت مسمياتها، من مجاملة إلى مداراة -بسبب اجتماعي أو فكري أو سياسي- إلى مبرر الاستفادة من وجاهة العضو المختار بالرغم من عدم كفاءته، وهو السبب الذي أتخم كثيراً من المجالس بأعضاء غير نافعين، وإنما هم فقط لتكثير السواد؛ سواد الوجه من أثر فشل المشروعات التي يشرف عليها ذلك المجلس !!!
   وإن اختلفت مسميات وتبريرات هذه المجاملة، إلا أنها مع كل ذلك تبقى مجاملة، وصورتها تعيين أو اختيار عضو في أحد المجالس -لسبب أو لآخر- مع وجود شخص آخر أجدر منه بعضوية ذلك المجلس -أياً كان-، والمبرر الوحيد الفريد "العنيد" هو المجاملة فقط لأحد الأسباب المذكورة أو لغيرها.
  والبلاء العظيم والطامة الكبرى حين يجامل صاحب القرار في اختيار أو تعيين أعضاء مجلس يتعلق عمله بعامة المجتمع، أياً كان حجم الفئة المعنية بذلك، ويفعل ذلك وكأن هذا المجلس يدير شركته الخاصة أو مزرعته الشخصية !

1 comment:

  1. بالتوفيق اخي مدونة اكثر من رائعة
    https://www.fromusatoksa.com

    ReplyDelete