Monday, June 2, 2025

إذا رأى أحدكم ما يُعجبه ...❗

 من هو عامر بن ربيعة ؟

كان عامر بن ربيعة العدوي -رضي الله عنه- قد حالف في الجاهلية الخطاب بن نفيل، الذي تبناه لاحقًا، فصار يُعرف بـ «عامر بن الخطاب». فلما نزل قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ...﴾، أُبطل التبني، فعاد عامر إلى نسبه الحقيقي، فعُرف مجددًا بـ«عامر بن ربيعة».

كان من السابقين إلى الإسلام، إذ أسلم قبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قبل أن يدخل النبي ﷺ دار الأرقم. وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، وكان من أوائل من هاجر إلى المدينة.

شهد عامر -رضي الله عنه- معركة بدر وجميع المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه عدة أحاديث.


 حادثة إصابة سهل بن حنيف بالعين:

قد يجهل بعض الناس أن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- هو من وقعت له حادثة إصابة سهل بن حنيف -رضي الله عنه- بالعين، ومن أجمع ما ورد في هذا ما أخبر به أبو أمامة بن سهل بن حنيف -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج، وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلا أبيض، حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة (أخو بني عدي بن كعب) وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلُبِطَ (سقط على الأرض من قيام) بسهل، فأُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل؟ والله، ما يرفع رأسه، وما يفيق، قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.

 وفاته:

في وقت اشتدت فيه الفتنة على عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، قام عامر يصلي من الليل، ثم نام، فأُتِي في المنام فقيل له: قم فاسأل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده. فقام فصلى ثم اشتكى فما أُخرج من بيته إلا جنازة. وكانت وفاته بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- بأيام، وقد لزم بيته حتى توفي.

 هذا هو عامر بن ربيعة -رضي الله عنه-، أحد أفاضل الصحابة، ومن أهل بدر الذين قال عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: « لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (رواه البخاري: 4890 ، ومسلم: 2494)، وقد خُتم له بخاتمة حسنة حين دعا الله أن يقيه الفتنة، فاستجاب الله دعاءه وقبضه إليه.

 دروس مستفادة من سيرته رضي الله عنه:

  1. تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته حُسن الأدب في كل شيء، ومن ذلك الدعاء بالبركة والخير عند رُؤية ما يعجب؛ حتى تندفع العين ولا يقع التحاسد بين الناس، وسلامة صدور الصحابة بعضهم لبعض، وتسليمهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
  2. وجوب الإيمان بأن العين حق، وقد تصدر من أي إنسان: ولا يدل ذلك على ضعف الإيمان أو سوء الخلق، فقد تصدر من الصالحين، كما صدرت من هذا الصحابي وهو من أهل بدر، بل قد يُصيب الإنسان نفسه أو ماله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فإن العين حق» (ابن السني - عمل اليوم والليلة)، وفي رواية «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق» (النسائي - السنن الكبرى)، والمراد بالدعاء بالبركة (فليدع له بالبركة) أي أن يسأل الله له الزيادة في الخير.

  3. وجوب الاغتسال لمن تسبب بالعين
    : إذا غلب على ظن المصاب أو أهله أن الذي أصابه شخص محدد
    بعينه، فقد سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل المصاب من تتهمون به، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عامرًا أن يغتسل لسهل، سواءً علم المصاب أم لم يعلم، طلب أم لم يطلب، إن عرف العائن أنه هو الذي أصابه.
  4. عدم الاستنكار أو الاستنكاف من الاغتسال: إذا ثبت حدوث هذا عن بعض الصحابة وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، فلأن يحدث من غيرهم من باب أولى، فينبغي إذا طُلب من أحدهم ذلك، فإن كان فعلاً قد أصاب أخاه بالعين، فهذا تكفير عن فعله، وإن لم يكن، فلا ضرر في ذلك بإذن الله.
  5. المبادرة بالاغتسال للمصاب: ولو لم يُطلب ذلك منه، وذلك في حق مَن يظن بنفسه أنه قد يكون أصاب أخاه وهو لا يدري عند ذكره النعمة التي نزلت بأخيه، لحديث اللديغ (من أستطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) (أخرجه مسلم)، ومن باب التعاون على البر والتقوى للآية الكريمة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» (رواه مسلم).
  6. التأمل في نعم الله وتذكرها، وليعلم المسلم أن الذي رزق أخاه ما أعجبه هو الله، وأن الله قد رزقه هو أموراً ليست عند غيره فليتأمل، وليحرص أن يذكر الله على كل ما يعجبه في نفسه أو ماله أو عند غيره، ويعود نفسه كثرة ذكر الله في كل حال، حتى لا يصيب مسلماً بسوء، فإنه قد يمكنه تدارك ذلك وقد لا يمكنه، ومما ورد في بعض أذكار الصباح والمساء: (... ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك ...)، وفيه إشارة إلى سلامة الصدر على ما رزق الله الآخرين والدعاء لهم.
  7. ألا يزكي الإنسان نفسه، فقد قال الله عز وجل: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾، فلا ينبغي للمسلم أن يرى نفسه منزّهًا عن الخطأ، أو يظن أنه فوق مستوى الشبهات، بل عليه أن يتهم نفسه، ويتواضع، ويقتدي بالصحابة الذين كانوا يخافون النفاق على أنفسهم، كما قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إيمانه كإيمان جبريل" (ابن حجر – فتح الباري)، والآثار التي فيها اتهام النفس عن الصحابة والسلف أكثر من أن تحصى.

No comments:

Post a Comment